رواية “ساق البامبو” وعنصرية العرب
رواية “ساق البامبو” وعنصرية العرب
نتشدق دائماً بأننا “خير أمة أخرجت للناس”. وكلما تحدثنا مع الآخرين ادعينا أننا نؤمن فعلياً بأنه” لا خير لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”. وإذا قرأنا خبراً عن حقوق الإنسان في صحيفة أجنبية أخذتنا العزّة بالإثم وامتشقنا معلومة أننا حررنا العبيد قبل أبراهام لينكولن بقرون. وأننا مثل أسنان المشط جميعنا سواء بغض النظر عن أصولنا ومنابتنا. لكن في الحقيقة واقعنا مخجل، كشفت سوأته رواية “ساق البامبو” للأديب الكويتي سعود السنعوسي والتي رغم حصولها على جوائز أدبية ذات ثقل، وتحويلها إلى مسلسل درامي، منع تصوير أو عرض المسلسل في الكويت.
محتوى رواية “ساق البامبو” جاء فاضحاً لممارساتنا الاجتماعية وسلوكياتنا كعرب مسلمين، بإضاءة خاصة على المجتمع الكويتي. تكمن أهمية الرواية في أن الكويت بالذات سبقت بأشواط دول الخليج الأخرى في المجالات التعليمية وحقوق المرأة وتبني الديمقراطية والانفتاح على المجتمعات الأخرى. لكن رغم كل ذلك، بنية مجتمعه من الداخل تنظر نظرة استعلاء ودونية للعامل الوافد غير المسلم وغير حامل الجنسية الكويتية كما هو الحال في معظم الدول العربية. وفي هذا انعكاس لما تم تزغيطه لنا في المدارس بأننا أفضل أمّة دون تبرير تثقيفي لهذا التفضيل.
يشهد لكاتب الرواية بالشجاعة الأدبية لأن روايته نبشت قبر المسكوت عنه من علاقة العرب بالعمالة الأجنبية الوافدة. وخشية الأفراد من مجتمعهم المحيط أكثر من خشيتهم من الله. وسيطرة بعض النساء على مجرى حياة أفراد الأسرة بأكملها بمن فيهم البنات المتزوجات والأحفاد، وتعريضهم لأشكال الكبت العاطفي والتطويع القسري للحفاظ على صورة وهمية أمام مجتمع مسكون بالعصبية القبلية.
لعبت الفنانة الكويتية سعاد عبد الله دور الأم المتحكمّة التي رفضت تزويج ابنها “راشد” من الفتاة التي أحبها وعملت المستحيل لإبعادها عنه. عقب ذلك يرتبط بطل الرواية بالزواج سراً من خادمتهم الفلبينية، التي تنجب منه طفلاً. تكتشف والدته، المرأة المسكونة بجنون السيطرة ذلك الارتباط. فتثور زوابع غضبها، رافضة الاعتراف بحفيدها. مرغمة زوجة ابنها على العودة الى بلدها مع طفلها الرضيع.
دفع الفقر بالأم الفلبينية الى العودة الى الخليج مرة أخرى للعمل كخادمة في البحرين. بينما ابنها، عيسى ابن راشد، الذي أصبح شاباً عاد الى الكويت باحثاً عن جذوره وهويته. لكن جدته التي ما زالت على قسوتها، ترفضه مرة أخرى وتريه أصناف التجريح وتحجبه عن المجتمع.
تكررت في الدراما مشاهد ازدواجية المعايير من صلاة وقراءة قرآن وتستر وصيام وقيام. وفي ذات الوقت مشاهد القسوة والظلم والإذلال. تُسكِن الجدة حفيدها في الملحق المخصص للخدم وتحظر تناوله الطعام على ذات المائدة التي يتناول عليها الطعام أقرانه من أحفادها الكويتيين. وتلغي وجوده بعدم ذكر اسمه، وإن اضطرت الى الحديث عنه أشارت اليه بلقب “الولد”. وعندما تحتاجه لتدليك قدميها تغطي وجهها لئلا تراه وهو يقدم لها هذه الخدمة التي قدمتها لها أمه من قبل. ألفاظها وألفاظ ابنتها التي لعبت دورها الفنانة مرام البلوشي نابية وقاسية وبذيئة وأبعد ما تكون عن الشخصية المسلمة ذات الأصول العربية الكريمة التي تدعيانها في المسلسل.
نرى كذلك ازدواجية المعايير في شخص راشد، المثقف القاريء والكاتب المدافع عن حقوق الإنسان وبالذات عن عمليات قتل الأطفال أثناء الحروب. الذي عندما حملت منه زوجته الفلبينية، طلب منها أن تجهض طفلهما وعندما أصرت والدته على التخلص من زوجته وابنه لم يتخذ موقفاً صارماً عادلاً مدافعاً عنهما كما يفعل في كتاباته المشحونة بالتعاطف مع البشر.
كما نرى ازدواجية المعايير لدى شقيقته هند، التي لعبت دورها الفنانة فاطمة الصفي، المثقفة المدافعة عن حقوق الإنسان والتي تدخل الانتخابات البرلمانية لتكون صوتاً لمن لا صوت له، وفي ذات الوقت ترى بأم عينها إذلال ابن شقيقها والإساءة للشخص الذي تحبه من فئة “البدون” على امتداد سنوات، دون أن تملك الشجاعة للاعتراض على سوء معاملته أو الوقوف في وجه والدتها وشقيقتها ومجتمعها المحيط.
جزئية مهمة توقف عندها المؤلف، تشير إلى العنصرية ضد أبناء الوطن الواحد والعقيدة الواحدة أيضاً، إلى فئة “البدون”. لمجرد أنهم لا يحملون الجنسية الكويتية رغم أنهم أبناء ذات الأرض ومن مواليدها ومحبيها ولا يعرفون وطناً آخر. ورغم أن نسبة البدون في الجيش الكويتي الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت التي دار جزءا كبيراً من الرواية حولها، بلغت 80% من الجيش، إلا أنهم حرموا من كثير من الحقوق. ما يجعل زواجهم من حاملي الجنسية الكويتية أمراً شبه مستحيل لما لذلك من تبعات وعقبات اجتماعية وقانونية.
من المؤكد أن منع تصوير هذه الرواية أو عرضها في الكويت. واضطرار طاقم العمل إلى السفر الى دبي لتصوير المسلسل، يشكل خرقاً لحرية التعبير.
يمكن القول بأن الطبقية والعنصرية المقيته شائعة جداً بيننا كمسلمين وكعرب. ولا تضربنا عصا الاعتراض على ضياع الحقوق إلا عندما نقيم في الخارج في بلاد ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان. هناك نطالب بأصوات جهورية بما لا نجرؤ على المطالبة به في وطننا الأم.
نغضب من الغربيين عندما يعاملوننا كصنف دخيل متطفل على عاداتهم وتقاليدهم. وننسى كيف نعامل الغرباء أو المختلفين عنا في الشرق الأوسط. لذلك تجد في جميع أنحاء أوروبا عرباً ومسلمين من كافة الجنسيات، آثروا اتخاذ وطن بديل وزهدوا في الكثير مما يملكون في أوطانهم مقابل بعض الشعور بالحرية والاحترام، نتيجة وجود قوانين تحترم التنوع الاجتماعي والثقافي والعرقي والمذهبي، وهرباً من أشكال الفساد والضغط الاجتماعي والسياسي.
إقبال التميمي
مديرة مركز المرأة العربية لمتابعة وسائط الإعلام في بريطانيا