فتاوى التلفزيون وكسر ميزان العدل
الحمدلله العادل الذي ساوى بين الجنسين في العقاب كما ساوى بينهما في الثواب، لكن بعض “المستشيخين” يظنون أن باستطاعتهم التعديل على أحكام العادل.
الشيخ “الأزهري” أشرف الفيل ظهر على شاشة تلفزيون مصري في برنامج “فتاوى رمضان” ليفتي في أمر شاب وقع وفتاة في معصية الزنا، كتب الشاب في رسالته بأنه أحب فتاة وتعلقا ببعضهما، وأنه طلب منها أن تحضر إلى شقته، فذهبت وهناك وقع المحظور، أراد الشاب أن يصلح ما أفسد فقرر أن يتزوجها بعد العيد لأنه يحبها، واستفتى الشيخ ما العمل ليغفر الله له؟
رد عليه الشيخ بانفعال شديد لا يعكس رويّة أن عليه بالإكثار من الاستغفار والتوبة إلى الله، وشدد عليه بأن يقطع علاقته بها فورا وأن يتركها ولا يتزوجها، ووصف الشيخ الفتاة بأنها فاجرة ولئيمة لأنها وافقت أن تذهب لمنزل الشاب وأنها لذلك لا تعد في الإسلام مسلمة بل فاسقة، أي أن نصيب الشاب كان النصح وفتح باب التوبة له، بينما نصيب الفتاة إخراجها من الملّة وفتح بوابة جهنم لها.
سبحان الله العظيم على هكذا تحيز واضح وفقدان للبصيرة ونسيان (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وأن (التوبة لأهميتها وردت في القرآن الكريم في سبعة وثمانين موضعاً، وأن المفتي يجب أن يتمتع بالهدوء ليتمكن من الحكم دون غضب، أو شطط، أو تجريح، ويقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي وصفه القرآن بقوله: “لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”، فمن الذي أعطى الشيخ حق إخراج مسلمة، دون شريكها في الجرم من الملّة في حين أن الذي يملك حق المغفرة لكليهما هو الغفور الرحيم.
كلا الجنسين بشر وعُرضة للضعف كما جاء في سورة يوسف (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه). وكلاهما مسؤلان عن حصول الفعل إن حصل بالتراضي. لكن الشيخ آثر تحميل الفتاة جميع التبعات وأدانها وحدها وأخرجها من ملّة الإسلام وأبقى على الذكر في حضيرة الدين وأوجد له مخرجاً بالاستغفار، واعتبره مؤهلا لبداية جديدة مع إنسانة عفيفة، بينما حرم الفتاة من الستر بالزواج رغم أن الرجل هو الذي يمتلك أدوات الفعل في العملية الجنسية ولا تستطيع امرأة تنفيذ هذا الأمر مهما كان تأثيرها ما لم يباشر شريكها في عملية انتهاك حرمة جسدها، إضافة إلى أن هناك احتمال بأنها اغتُصبت وأن يكون الأمر قد وقع دون رضاها ولم تتمكن من طلب النجدة أو الدفاع عن نفسها. فالجهل وسوء التقدير شيء وتبييت نيّة المعصية شيء آخر تماماً.
يشير المنطق إلى تشجيع الشاب الذي أخذ قراره بالزواج من الفتاة التي انتهك عرضها، لإصلاح ما أفسد؛ ليس للستر عليهما فقط بل وللستر على عائلتيهما لأن هذا النوع من الفضائح في المجتمع العربي لا يؤثر سلباً على المتورطين وحدهما فقط، بل يمتد تأثيره مثل انتشار بقعة الزيت على سطح الماء ليطال سمعة وحياة ومستقبل أبرياء من أقارب الطرفين. والستر على المسلم التائب أمر واجب بغض النظر عن جنسه.
إن اغتراب موقف الشيخ الذي مُنح منصة الإفتاء من قبل محطة تلفزيونية عن ما أشار به الشرع من عدل وتحميل المسؤولية لكلا الطرفين، لهو كسر شنيع لميزان عدالة الرحمن، لو تم الأخذ بمشورته بنبذ من يتعرضن لهكذا ابتلاء بعدم الزواج منهن، وتمكين الذكور الذين انتهكوا حرمة أجسادهن من الزواج من أخريات، لشرّعت الأبواب لتفريخ الفاحشة، لأن اللواتي لم ينصفن قد يتحولن نتيجة شعورهن بالظلم ونبذ المجتمع لهن إلى دروب أشد ظلمة وضياعاً.
هنا تبرز أهمية كفاءة العاملين في البرامج التلفزيونية حين البحث عن مختصين لاستضافتهم لإبداء الرأي في أمور غاية في الحساسية أو ذات تأثير شديد على الجمهور المتلقّي.
من المثبت في أبحاث الإعلام الأكاديمية أن بعض القنوات التلفزيونية تتعمد أحياناً استضافة المتعنتين والمتشددين أو الجاهلين والشخصيات المثيرة للجدل لاستخدامهم كأدوات جذب لزيادة عدد المتابعين، للاستفادة من جذب المعلنين ورعاة البرامج. هذا الأمر يمكن ابتلاعه عند تقديم برامج ترفيهية؛ لكن عندما يمس الموضوع خطاب قاعدة عريضة متنوعة المستويات التعليمية من المشاهدين، وعندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وحقن أسباب العنف، وجب إطلاق صافرات التحذير للضغط على مكابح العبث. لأن القنوات التلفزيونية قد تصنع نجومية المفتين المعروف عنهم تخطّي الحدّ المكهرب للمجتمع والفاصل بين الافتاء الشرعي المسؤول ومواقفهم الشخصية.
إقبال التميمي
مديرة مركز المرأة العربية لمراقبة وسائط الإعلام في بريطانيا